السبت، مارس ٠٤، ٢٠٠٦

حرب نفسية

تسلل جمال من غرفة نومه بخفة ، لم يشأ أن تشعر به زوجته ، خرج إلى حديقة المنزل .. حيث الهواء الطلق .. أخرجها من جيبه .. وأشعلها .. نعم هي السيجارة!! ـ

وهو يستنشق نفساً من هذا السم القاتل، أخذ يركز في التناقضات التي يعيشها!، تلك التي تجعله يشعر أنه مجموعة من الأشخاص في جسد واحد.
ـ

ما حدث اليوم في عمله أقلق هذا الشعور زاده، زارته امرأة مع زوجها للعلاج، زوجها مدخن .. صورة الأشعة أظهرت أن رئتاه أصبحت كالفحم الأسود، أصرت زوجته أن تقابل جمال (وهو طبيب الأمراض الباطنية) حتى تسأل عن طرق الإقلاع عن التدخين لتساعد بها زوجها، شعرت بارتباك شديد وأنا أشرح لها .. كيف له أن يقنعها وهو من المدخنين؟؟؟؟

أخذ يتأمل في هذه السيجارة التي تعتبر مفرغ لأهات يحملها (أو هكذا يتخيل)، بدأ بالتدخين عندما كان في السنة الأولى بكلية الطب .. كانت السيجارة عبارة عن عودة للوطن، فمعها كان يسرح بعيداً .. كأنها كانت سبباً لإلهائه عن المذاكرة والدروس لذا تعلق بها! ـ
يعرف أنه يستطيع الإقلاع عن التدخين، لكنه لم يحاول ، ربما لأنها ما زالت تذكره بتلك الأيام. ـ

سمع صوت بكاء بالداخل، قطع عليه سكون الليل، وقطع خواطره، إنها ابنته مرام، ملاكه الصغير ، كم يعشق ملاكه الصغير! ، ذهبت إلى غرفة نومها .. نظرت إلي وتوقفت عن البكاء، ضمها إليه .. ـ
سألها: ما أبكاك يا أميرتي؟
قالت: بابا .. حلمت أنك تحترق.. حاولت أن أطفئ النار ولكني لم أستطع!! ـ
جمال (الارتباك باد عليه): لا تقلقي يا حبيبتي ، أنا بخير
قالت: ولكن بابا .. أنا أشم رائحة حريق! ـ

فوجئ بكلامها، يا للهول، ملاكه الصغير شم رائحة التدخين!، هي ما زالت تجهل معناها ولكنه قطع وعداً على نفسه أن لا تعرف ابنته أنه يدخن. ـ
هدأ من روعها: يا حبيبتي .. أنت ما زلت تحلمين .. ها أنا أمامك بخير والحمد لله .. هيا عودي للنوم! ـ

وعاد هو إلى غرفته للنوم .. نظر إلى زوجته فوجد نظرة غضب يغطيها عتاب .. يعرف السبب .. هي السيجارة الغبية .. نظر إليها نظرة أسف ونام! ـ

في صباح اليوم .. وهو ذاهب إلى العمل .. ما زال موقف ليلة الأمس يدور في خاطره ، لن ينجح أبداً في إخفاء تدخينه عن ابنته.. سيأتي اليوم الذي يرى نفس نظرة العتاب التي رآها ليلة الأمس من ابنته .. لا يدري إن كان سيتحمل ذلك! ـ

دخل مكتبه في المستشفى .. لم تبدأ مواعيد المرضى بعد .. هو يرتب أوراقه ويراجع الملفات على المكتب .. وجد الكتيب الخاص بالإقلاع عن التدخين أمامه .. استجمع قواه .. وأمسك بالكتاب .. شعر وكأنه يقرأه لأول مرة .. في الصفحة الأخير كان هناك سرد بسيط لطرق الإقلاع .. بلا وعي منه (أو وعي يتجاهله) اختار إحدى الطرق وبدأ بترتيب برنامج الإقلاع .. شعر وكأنه يدخل مغامرة غير متأكد من نتيجتها! ـ

بعد أسبوع ... ـ

لم يدخن أي سيجارة من أسبوع ، شعر بإحساس وكأنه يجتاز امتحان يصعب اجتيازه، لم يشعر أن الإحساس بالذنب كان ثقيلاً جداً !! ـ
بعد أن تأكد أنه توقف أحب أن يهدي هذا الخبر إلى زوجته والتي ستبتهج فرحاً به!! ـ
جلس على مكتبه، وصل إليه التعميم الصحي الدوري والذي يوصي أن على كل طبيب في المستشفى الخضوع إلى فحص شامل، قرر أن يخضع للفحص غداً. ـ
عاد متأخراً إلى المنزل تلك الليلة فلم تسنح له الفرصة المناسبة لإبلاغ زوجته اخبر ، فقرر أن يقدمه لها هدية على عشاء رومانسي نهاية الأسبوع. ـ

أستيقظ على صوت المنبه .. موعد الفحص بعد ساعة ... قام من سريره وتجهز وقبل أن يخرج تأكد أن يأكل فطوره بشهية ، لم يشعر بسعادة غامرة مثل هذه منذ أمد بعيد، أحقاً لهذه الدرجة كانت سعادة السيجارة مقنعة؟!! ـ

قابل الطبيب الذي سيجري الفحص ..
جمال: أهلاً أحمد .. إذن أنا زبونك اليوم
أحمد: بالطبع دكتور جمال .. أه كم تكون التناقضات عندما يكون الطبيب زبوناً !! هيا فلنبدأ .. بالطبع ستجري فحص دم وأشعة و جميع الفحوصات الأخرى ... هذه هي ورقتك .. هيا إلى المختبر

قام بإجراء جميع الفحوصات .. ووعده الدكتور أحمد أن يبلغه بالنتيجة غداً

عاد إلى منزله، وجد مرام تلعب بدميتها الصغير .. أه كم يعشق ملاكه .. وكم يراها دنياه التي لا تسعه!! ـ

وهو يتعشى مع زوجته ، وابنته بجانبه ، رن جرس الهاتف .. ـ
جمال: السلام عليكم
أحمد: وعليكم السلام جمال .. كيف حالك؟جمال: الحمدلله .. وأنت؟
أحمد: الحمدلله .. جمال .. أنا بحاجة لرؤيتك غداً .. رجاءً في أول الصباح .. ـ
جمال: إن شاء الله .. سأمر عليك في الصباح الباكر

وضع سماعة الهاتف .. صوت أحمد لا يعجبه .. كأن هناك شيء يخفيه .. عاد إلى مائدة العشاء والقلق قد تمكن منه . لكنه حاول أن يخفيه عن زوجته حتى لا تشعر بشيء. ـ


في صباح اليوم التالي، وقبل أن يذهب إلى مكتبه في المستشفى .. ذهب إلى مكتب الدكتور أحمد .. وجده هناك .. ـ

جمال: السلام عليك يا أحمد .. كيف حالك ؟
أحمد: الحمد لله .. تفضل يا جمال .. هناك شيء يجب أن أعلمك به!! ـ
جمال : خير ان شاء الله
أحمد: الخير كله بيد الله، جمال .. لقد ظهر ورم سرطاني في الرئة في نتيجة فحوصاتك .. ما زال صغيراً على ما يبدو ولكنك يجب أن تخضع للعلاج!! ـ

أحس جمال أن الدنيا تدور به! أيعقل أن يكمن هو المداوي وهو المتداوي؟؟؟
سرطان!! في الرئة؟؟؟ بلا سخرية القدر!! ـ
عندما قرر أن يترك التدخين ، أكتشف ما لم يكن في الحسبان .. ـ

حار فيما يهدي زوجته أولاً ... مرض السرطان أم إقلاعه عن التدخين!! ـ

خواطر نادم

في لحظات عصيبة من الانتظار، يظل الإحساس بالوحدة شاغلي الشاغل و يظل ألم الفراق إحساس يخنق النفس و يضيق بها. ـلماذا تركتها؟ لا أدري، لماذا قررت أنا الفراق لا أدري؟! , مع أنني من اخترت هذا القرار و أنا من رحلت عنها بعيدا, يظل إحساسي بالحاجة إليها يعصرني, لما هي بالذات؟؟؟ ملئ هي الدنيا بمن هن أجمل و افضل, و لماذا يظل الحنين لنظرة عيناها البريئة يجرحني. أحاول أن أبعد طيفها الذي يلازمني و لكنه يأبى أن يفارقني. ـ
أأحبها؟؟ , لا, بالطبع لا, لست أنا من خلق للحب, الحب مجرد إحساس يخالج الضعفاء و أنا أقوى من أن أشعر به, كانت مجرد طيش شباب, مجرد تمضية وقت فراغ! , هي من يجب أن يتعذب و يشعر بالألم, فأنا من تركها و ليس هي من تركتني!!! , اخر نظرة رأيتها منها ما زالت تلازمني و كأنها تريد أن تشعرني بالذنب , و لن أشعر بالذنب فأنا لم أخطئ, هي من قبلت أن تقع أسيرة نظراتي و ووافقت أن تبادلني هيا النظرات و هي من خدعت أيضا بعيناي الخبيثتين. ـ
سأنساها, قد يأخذ زمنا طويلا, و لكن سأنساها, ليست هي أول من عرفت و لن تكون أخرهم !, سيمضي الوقت و سأجد غيرها, حتما!!ـ
مرت سنتان ...

في الفترة الماضية لم أشعر إلا و الحنين إليها يقطع كبدي, أحشائي ظلت تتألم من الشوق و الحب !!! , نعم أنا من بين كل الناس أحب, و أحبها هي, لا أدري ما الذي جعلني أحبها؟؟؟ أرقتها و طيبها؟؟, أم إخلاصها و حبها؟؟ كنت مخادعا و لم أحافظ على الجوهرة التي كانت بيدي!! رزقت بكنز و لكني استكبرت و رفضته, أصبحت جاحدا و ناكرا, لقد أشعلت فيني أحاسيسً لم أشعر بها من قبل, أحيّت فيًّ ذلك الإنسان الذي كان لاهياً مع متع الدنيا, قلبت ما بداخلي فأصبحت بعدها أشعر بما يشعر به الناس و أستشعر أحاسيسهم و أهتم بها!!. و لكم هل فقدتها؟؟؟ , حتما لا, سأعود و أبحث عنها و أريها الإنسان الذي تغير!!ـ
بعد شهران
...لم يتحمل قلبي الضعيف رؤيتها, كانت كالحلم مر من أمامي, لم تتلاقى عينانا هذه المرة و لكني أردت أن أحادثها لأصدقها قولا و أعترف لها بما حدث, لم تراني , تبعتها, يهتز قلبي فرحا كلما أدرك أنني وجدتها أخيراً, حقا كـتبت علي السعادة الكبرى مع من أحببت, مع من سأهديها أول نبض قلبي. ـ
مع دقات قلبي الفرحة اهتزت أعصابي عندما رأيتها تجلس بجانبه, من هو؟؟؟, من يكون؟؟؟, أخوها؟؟ , نعم أخوها , حتما أخوها فلن تطير فرحتي بهذه السرعة بعد أن عانيت الأمرين لأجدها, بعدت أن بنيت قصورا من السعادة معها هي وحدها على سحاب حبي لها, لكن من هو؟؟؟ سؤال يلح بشدة, نظراته الخارقة إليها و بسماته المحبة لا تدل على الأخوة, من هو إذاً؟؟ ـ
تهدمت قصوري الهوائية عندما رأيت الخاتم بيديها, متزوجة هي!!! , ملكة أحلامي أصبحت متزوجة!! , آآآآآآآه كم أرى نظراتها بعيدة عن أخر نظرة رأيتها فيها, سعيدة هي في الأخيرة!ـ
نستني هي إذاً, من حقها فأنا من تركها و ضيعها من يديه, أن من أبعدها عن عينيه, و هل يستحق رجل مثلي أن يحب؟؟ , و لكن بعد ماذا؟؟, بعد أن ذاق الحب و ضعفت مشاعره؟ بعد أن أصبح أنسانا؟, أيتراجع؟؟ لا , لا يمكن أن يعود كما كان!! , أعتقد أن علي أن أتحمل قلبي الضعيف و أنتقل معه إلى مرحلة أخرى, لعل و عسى يجد من يحب و يحبه, عسى!!!ـ