الجمعة، يوليو ٢٧، ٢٠٠٧

الحرمان

دق على باب غرفتها بقوة .. لا صوت .. لا يسمع أنينها المعتاد .. هدوء غريب يسكن ذلك الغرفة اليوم .. أصر على أن تفتح الباب .. لم ترد عليه .. أحس برعشة سرت في عروقه .. لا بالتأكيد لم يحصل ما وصل فكره إليه .. دق الباب بقوة أكثر .. قرر أن عليه أن يكسره .. وكسره ..

وجدها هناك .. كالملاك .. نائمة؟ .. هزها بقوة مذعوراً .. فتحت عينيها بهدوء .. وبصوت خافت قالت .. سالم؟ ماذا تريد؟؟ دعني أرحل بسلام! .. ما إن سمع هذه الكلمات إلا وسرت تلك الرعشة في عروقه مرة أخرى .. حملها وأسرع بنقلها إلى أقرب مستشفى ..

هناك وقف ينتظر وفرائصه ترتعد .. خاف أن يخسرها! .. نزلت دمعة ساخنة من مقلتيه .. كيف حدث ما حدث .. كيف سمح لنفسه أن يهمل هذه الدرة التي كان منزلهم يزهو بها! ..لام نفسه بشدة .. كان عليه أن يفهمها .. هو من بين الكل كان أقربهم إلى قلبها .. تذكر كل تلك المرات التي ركضت إليه ودموعها على خدها .. تشتكي من هذه ومن ذاك وكان هو من يمسح دمعتها .. لماذا تركها تأن لوحدها اليوم ووقف هو موقف المتفرج؟!!

خرج الطبيب بعد ساعة من الانتظار .. نظر إليه بعين غاضبة .. خجل سالم من النظر في عيني الطبيب .. قال له الطبيب: ما صلة قرابتك بالمريضة هدى؟ .. رد سالم: أختي ..

قال الطبيب: أختك يا أخ سالم مصابة بانخفاض حاد في ضغط الدم .. تعاني أيضا من فقر الدم ! أظنها لم تأكل شيئاً ليومين!!

تفاجأ سالم: ولكننا ندخل الطعام إلى غرفتها .. صدقني يا دكتور هي من ترفض الخروج إلينا!

الطبيب: على العموم .. سنستبقيها هنا ليومين أو ثلاث حتى تستقر حالتها .. ورجاءً إن كان هناك أي موضوع يستثيرها علينا أن نبتعد عنه !

شكر سالم الطبيب .. ودخل على أخته .. نظرت إليه بعيون واهنة .. وكأنها تلومه (أو هكذا أحس)

قالت: سالم .. شكراً على إنقاذي .. لم أرك مذعوراً في حياتك مثلما رأيتك عندما طلبت منك أن تتركني أرحل بسلام .. ورسمت بسمة عذبة على شفتيها ردت روح سالم إليه!

ابتسم سالم .. وأمسك بيديها .. وطلب منها أن تهدأ ويريد منها شرح وافي عما حصل لاحقاً ..

نامت هدى بهدوء .. وأستغرق سالم في تأمل أخته الصغيرة إلى أن نال منه النوم أيضاً !

زقزقت عصافير الصبح كعادتها .. ودغدغت أشعة الشمس وجه هدى .. فتحت عينيها فوجدت أخوها سالم مطرق الرأس .. نائماًً .. هزته بهدوء .. فتح عينيه وكأنه يستغرب أين يكون في هذا المكان .. بعد ثوان من الوجوم والحيرة تذكر أحداث ليلة البارحة.

سالم: كيف حالك اليوم يا أختي الغالية؟

هدى: أشعر بنشاط غريب .. و بنفسية مرتاحة جداً ..

سالم: طبعاً يا أختي الشقية .. لقد أضربت عن الطعام ليومين .. كان ضعفك شيئاً طبيعياًً بعدما فعلت ..

أطرقت هدى رأسها خجلاً ... ونظرت بعدها إلى عيني أخوها كأنها تريد أن ترسل من خلالهما أسفها الشديد ..

أمسك سالم بيدي هدى .. وبكل حنان .. سألها: ماذا حصل لك يا هدى؟؟ لماذ صرنا نفتقد ابتساماتك المشرقة كثيراً مؤخراً ؟؟!!

أدركت هدى أن الوقت قد حان لتفصح عن ما تشعر به لأخوها .. كاتم أسرارها ..

هدى: سأخبرك عن ما يحل بي .. وكن أرجوك عدني ألا تحرمني من سعادتي .. لا تطلب مني أن أقوم بما يصعب علي تحمله ..

رد سالم بتلقائية : طبعاً أعدك يا أختي الغالية ..

هدى : سالم .. أنا أحب ! وقبل أن تقول أي شيء رجاءً اسمعني للنهاية ..

هو شخص كتب الله أن يولد في عائلة مختلفة اجتماعيا .. لن ترضى جميع قوانين مجتمعنا أن نلتقي .. بل ستحاربني إن أنا فكرت ولو للحظة الارتباط به .. ولكني أحبه .. وسأظل أحبه وإن لم نلتقي ..

سالم (بانزعاج بادي على وجهه يحاول أن يخفيه): ما زلت صغيرة على هذا الكلام يا هدى ..

هدى: سالم .. لم أعد أختك الصغيرة .. أصبحت فتاة أكتشف الدنيا أتعلم منها .. سالم .. أعرف ما هو رأيك في ما أقول .. وأعرف أن الجميع بلا استثناء سيطلبون مني أن أنساه .. أعرف هذا وأحاول أن أروض نفسي على حرمانها من أصدق عاطفة وجدت على الأرض .. لذلك أثرت أن أروض نفسي على الحرمان .. حرمت نفسي من الطعام ليومين .. وها أنا ذي .. لم أمت .. إذا علي أن أحرمها من قلبها .. وسأعيش وإن كنت سأكون بلا قلب!

أطرق سالم رأسه .. أحس بتضارب كبير بين عقله وقلبه .. عقله لا يسمح بما تقوله أخته .. هي أخته ولا يريدها أن ترتبط بمن هو أقل منهم اجتماعيا .. هذا شيء غير مسموح بكل الأعراف!!

ولكن قلبه رق لحالها .. هو يعرف كيف يمكن للحب أن يكون مؤلماً .. كيف يسكن روح المحب ويستنفد كل طاقتها!!

هدى: لست مجبورا على إعطاء رأيك الآن . .. فلننس الموضوع .. اسأل الطبيب متى سيتم إخراجي من هنا .. أنا جائعة !!

سالم: قال أنك ستخرجين اليوم .. ولكنه سيأتي للإشراف عليك مرة أخيرة

عادا إلى المنزل .. وكلاهما يبحر في عالم أخر .. هدى تبحر في بحر الحزن الذي سكن قلبها .. وسالم يبحر في بحر من الحيرة، الحيرة بين قلب أخته وقلب مجتمعه!

فكر سالم في الموضوع ملياً، وكلما بحث الموضوع أكثر أدرك صعوبة ما تطلبه هدى، أدرك أن أعراف المجتمع تطبق على هذا الموضوع بطريقة لا تسمح بمتنفس عنه، ماذا سيقول عمها إن علم، و خالها؟، هذا وهو لم يفكر كيف يقنع أبوها !

عاد سالم إلى أخته هدى، مطرقاً رأسه ، قال لها والكلمات تخرج من فمه بأسى ، قال وهو يتأتيء: أختي .. سامحيني .. أريد أ، أكون المعين لك وأن أهدأ من روعك .. أريد أن أقول أن الموضوع حله عندي .. كما أتمنى أن أكون .. ولكن إعذريني .. في هذه المرة فقط .. سأقف مع المجتمع و أرفض ما تطلبينه !

إبتسمت هدى إبتسامه ماكرة .. وقالت : هكذا إذاً !! هديء من روعك .. ولا تحرق أعصابك ..لا أحب ولم أذق للحب طعماً.. سبب ضعفي هو حصولي على علامة متدنية في مادة المجتمع .. ولكني أردت أن أثير الموضوع لأرى ردة فعلك .. وها قد عرفتها أقسم أنني لن أتزوج إلا بمن تقره أنت !!

أمسك سالم بكتاب المجتمع وبدأ بضرب هدى بلطف مظهراً غيظه ولكن الإبتسامة كانت تعلو شفتيه!!

الأحد، يوليو ٠٨، ٢٠٠٧

أمسكت بالشيلة وحاولت أن تلفها على رأسها .. تقدمت بخطوات حذرة ، وقفت أمام المرآة .. تحسستها بيدها وأطلقت ضحكة تخللها انهمار دموع ساخنة على خدها ، دخلت أختها إلى الغرفة بعجلة: ريم هيا .. سنتأخر .. ستدخل العروس ونحن ما زلنا هنا .. ابتسمت ريم: أنا جاهزة أختي العزيزة .. أريدك أن تضبطين الشيلة حيث أنني أشعر أنها غير مرتبة. ردت أختها: لا بالعكس تبدوا ممتازة .. هيا سنتأخر ..

شعرت بألم الحرمان يتعاظم، وكأن لسان حال أختها يقول: وما يهمك أنت، فالكل يعرف أنك عمياء ولن يهتم إن كانت شيلتك مضبوطة أم لا .. شعرت بألم الاحتياج إلى شخص أخر ، بالعجز عن أبسط حق وهو رؤية نفسها في المرآة .. أخفت أحزانها وتبعت أختها وهي تقودها إلى السيارة ..

قامت أحلام أخت ريم بتشغيل المسجل عند دخولها السيارة، تضايقت ريم، فقد أرادت أن تسمع أصوات السيارات و ضوضاء المدينة ، هذا الصوت الذي كانت تنزعج منه سابقاً أصبح النافذة الوحيدة التي تستطيع من خلالها تخيل ما يمكن أن يكون المنظر من حولها، أصبحت أذناها تقوم مقام عيناها.

سمعت صوت مكابح السيارة تقف بسرعة، أحلام وسرعتها الجنونية، دائماً تحذرها من الوقوع في حادث لا سمح الله، عادت إلى سنة مضت وكيف كانت مثل أحلام، تسابق البرق في قيادتها، تندم على كل منظر جميل مرت عليه ولم تقف لتتأمله، فها هي الآن تتوق نفسها إلى رؤية اللون الأخضر، أو الصحراء أو أي منظر أخر ..

أفاقت وصوت أحلام يهزها: ريم هيا أمسكي بيدي .. لا نريد أن نتأخر

دخلوا إلى قاعة العرس، شعرت بحرارة في المكان وصوت الموسيقى الراقصة يهز أرجاء القاعة، تمسك أحلام يدها بقوة، تشعر بها تمشي بتبختر وكأنها تتعمد جذب الانتباه، تسلم على خالة سلمى وخالة شيخة .. ومن ثم على خالة مريم وخالة فاطمة ، كلهن يؤكدن على قمة جمال أحلام و من ثم ينهين حديثهن بمدح ثوب ريم وكأنهن يقلن بطريقة أخرى: لا عليك تبدين جميلة وأنت عمياء!

تصر ريم أن تقابل الجميع بابتسامة ، تريد أن تقول لهم أنها راضية بقدرها وسعيدة به، ولكنها تتقطع ألماً كلما مرت إحدى النساء لتسألها: أتعرفينني؟ أنا أم فلانة .. كيف لا أعرفك ونبرة صوتك الرنانة تملأ أرجاء المكان ، لماذا يذكرنها بقصورها، لماذا تقول نبرة صوتهم: مسكييييييينة .. كم تكره هذه الكلمة وكم تطعنها نبرة الصوت تلك!

تقودها ريم إلى طاولة بجانب سماعات المسجل، كم هي المرات عديدة تلك التي ترجت ريم أختها أن تبعدها عن المسجل ، ريم لا تبالي ، فصديقات العمر جالسات على تلك الطاولة ، هن الأهم . حاولت ريم أن تبلع غيضها وألمها وأن تشارك أحدهم الحديث، ولكن تشعر وأن الجميع يعطونها ظهورهن ، لا تراهن ولكنها تعلم أن هذا ما يحدث عادة ، حاولت أن تلهي نفسها بسماع الأغاني، ولكنها سخيفة لا معنى لها .. أه ونص ، ومعجبة مغرمة (طب ما تحبي وأنا مالي؟؟ ) ، تمنت لو عادت إلى غرفتها و استمعت إلى أشعار حامد زيد أو أسير الشوق ، على الأقل تعيشها تلك الأشعار رومانسية تحلم بها.

ولكنها تذكرت، لا لن أترك الابتسامة، لست هنا للتمتع بصرخات المغنيات و دق الطبول، هي هنا لتبتسم، لتقول للجميع أنها بخير وأنها لن تدفن وجهها في التراب حتى وإن كان حضورها يعتبر دفن لنفسها السعيدة.

شعرت بيد حانية تربت على كتفها الأيمن، عادة تمقت الأيادي الحانية فهي تحمل بين طياتها شفقة وأسى لا تحبهما، لكن كان لهذه اليد معنى أخر ، كانت تقول أنا أفهم و أنا أقدر مقدار الألم الذي تمرين به ، وجهت رأسها تجاه اليد .. إبتسمت وسألت : من؟ رد عليها صوت أحن: أنا شمس ، قريبة والدتك .. تذكر شمس عندما كانت صغيرة وقبل الحادث بأعوام عديدة، تصغرها بثلاثة أعوام ، كانت طفلة تملأ المكان حياة كلما دخلت ، تذكرها بتفاصبل وجهها الجميلة ، ردت ريم: أذكر شمس الصغيرة ما شاء الله كبرت

شمس: أوه نعم كبرت .. وصرت "حرمة" .. ضحكتا ضحكة صافية ولأول مرة منذ دخلت القاعة شعرت أنها تقضي وقتاً ممتعاً ، ولكنها فجأة تذكرت .. وعرفت لماذا تحنو عليها شمس ، لماذا كلمتها شمس ، لدى شمس أخت تعاني من متلازمة داون، أخت معاقة ، تشعر شمس أن يد حنية تعني الكثير لمن يحتاجها، تضايقت ريم، لاتريد يد تحنو عن شفقة، لا تريد يد تحنو لتقول أعلم مدى تعاستك ، تريد يداً تقول لها مرحباً بك كإنسانة. إستأذنت ريم بأدب وطلبت من أحلام أن تأخذها إلى طاولة أمها.

لم تجد كرسياُ بقرب أمها فأخبرتها أحلام أن هناك كرسي في نفس الطاولة فوافقت على الجلوس عليه، جلست ، بعد أن فقدت بصرها طورت حاسة سمعها وأصبحت تسمع ما يتهامس به الناس، سمعت المرأة التي بجانبها تهمس لجارتها: من هذه الجميلة الجالسة في طاولتنا؟ ، ردت جارتها: لا أعلم ولكنها تشبه آل راشد ، قد تكون منهم ، إبتسمت ريم وهي فخورة بسماتها التي تشبه أباها بشدة ، أكملت المرأة: رجاءً إسألي لي ، فإبني يبحث عن زوجة وإن كانت بهذا الجمال ومن آل راشد فنعم الزوجة ، صعقت ، لأول مرة تشعر أنها مثل البنات، لأول مرة تشعر أن هناك أمل ولو أنها على يقين أن المرأة إن علمت بعماها ستغير رأيها، ولكن الشعور بأنها مرغوبة ولو شكلياً أشعل فيها أملاً جديد أً ، أشعرها بأن للحياة نور!

قامت من مقعدها ، وبثقة توجهت للطاولة السابقة وحدها ، ووقفت تصفق مع البنات.

الاثنين، سبتمبر ٠٤، ٢٠٠٦

من الماضي

رأته , رآها , التقت العينان و تواردت بينهما خواطر رحلتهما الماضية, أهكذا تمر السنوات , أهكذا يسرق العمر أحلى أيام حياتهما و هما لا يشعران!!! أحس كليهما برغبة جامحة في معرفة الحاضر, إلى معرفة ما جرته الأقدار في حياتهما, طلب منها أن تجلس معه على فنجان قهوة, ترددت فالمجتمع لن يرحمها إن هي وافقت و لكن فضولها منعها من التفكير ووافقت بسرعة قبل أن تفكر مليا.

توجها إلى المقهى في جانب المجمع التجاري، ما زال مهذبا و رقيقا و ما زالت بسمتها البريئة تعلو وجهها. بدون أن يسلها طلب لها عصير برتقال طازج، ضحكت و أضافت أنها أصبحت تشربه بلا سكر حتى تخفي أثار العمر من جسمها و سألته واثقة من الإجابة إن كان ما زال يشر قهوته التركية فهز رأسه ضاحكا.

سادت موجة من الضحك و الذكريات بينهما, أحس كليهما أنه عاد 10 سنوات إلى الوراء و أدركا كم من السنوات تمضي و هم منغمسين في هموم الدنيا.

كسر هو حاجز التردد بينهما و سألها : سمعت أنك تزوجتِ؟ , ردت: و أعتقد أنك سمعت أني طلقت أيضا , ما زالت بسمتها تعلو وجهها. ابتسم و قال: سمعت و لكني لم أكن متأكدا, قالت بكل اليقين: الرياح لا تجري باتجاه السفن أحيانا, سمت أنك تزوجت و قد توفى الله زوجتك رحمة الله عليها, رد و قد بانت في عينيه دمعة خفية: نعم, كانت ملاكا بما تحمله الكلمة من معنى و لكن كما قلت هي أقدار و علينا الإيمان بها, تذكرين قبل 10 سنوات كنا نحلم أنا و أنت بذلك العش و البيت السعيد و ها أنا و أنت كل منا مضى في طريقه و أصطدم بما تخبئه الأقدار.

أطرقت رأسها و أخذت تفكر, حتما كانت تفكر ببيت أخر و حياة أخرى و لكن السعادة المؤبدة شئ مستحيل. ترددت قليلا و لكنها سألته: هل تفكر بالزواج مرة أخرى؟ , ابتسم و قال: بصراحة لا أعرف, تنتابني لحظات من الوحدة و لكني لا أعرف إن كنت سأجد من سأقارن بزوجتي الأولى بالإضافة أن أولادي ما زالوا صغارا و أخاف من زوجة أب تعذبهم .. و أنت؟
أجابت: بعد تجربتي الأولى مع زوجي, أفكر مرارا من خوض التجربة مرة أخرى. و هز رأسه بالموافقة على ما قالت.

وهكذا أستمر الحوار و تفرق إلى متفرقات مختلفة في حياة كل منهما, أسترق النظر إلى ساعته و تذكر أنه وعد أبنته بأنه سيأخذها إلى بيت خالتها, أعتذر بلباقته المعهودة و هم بمغادرة المكان و هي أيضا و قبل أن تبتعد العينان أعاد الالتفات إليها و بارتباك شديد سألها إن كان من الممكن أن تعطيه رقم هاتفها , ابتسمت و أعطته الرقم.

عاد إلى منزله تلك الليلة , أخذ يفكر في لقاء هذا الصباح, تذكر صندوقا كان قد أخفاه في ركن بعيد في خزانته, كان الصندوق يحوي مجموعة من الشرائط الغنائية القديمة, بحث عن شريط بذاته , وجده و أدار الشريط, دارت أغنية محمد عبده "على البال" في مخيلته قبل أن تدو على مسامعه, أخذت أفكاره إلى مكان بعيد جدا و أيقظ ذكرياته و كيف ساقته الأقدار. و مع هذه الذكريات و تلك أيقظت الأغنية حبا دفينا بداخله, الحب الذي حاول أن يتناساه بمرور الأيام و لكنه ظل مغموسا بأعمق خلجات نفسه, أحس ليلتها بشعور الوحدة الذي طالما أحس به بعد موت زوجته يتعاظم, أدرك أن لعبة الأقدار عادت من جديد عندما ساقته ليلقاها اليوم.
في اليوم التالي و جد نفسه يضغط على الأرقام التي أعطته إياها و سألها بكل ثبات و صراحة: هل تقبليني زوجا؟ارتبك صوتها و تمالكت قواها و قالت: و هل يرفض أحد أن يحقق حلمه الأبدي؟؟؟

الجمعة، يونيو ٠٢، ٢٠٠٦

حب من الماضي

مرت الأيام بطيئة جداً وهو يحاول أن ينساها، مع كل دقيقة تمر يظل يتمنى أن تكون في صالحه، أن تكون معيناً له على النسيان ولكنها أسفاًً تنحاز لها و تتركه بلا شيء غير ذكراها.
حاول الانشغال، وفعلاً نجحت خطته الجهنمية (مؤقتاً) فقد كان انشغاله سبباً كافياً ليتناساها .. ولكم ما إن تغرب الشمس ويحل الليل بسكينته .. وتأتي الساعة التي تحتم عليه أن يخلد لنوم يريحه من عناء اليوم.. إلا وتقوم ذكراها بالسيطرة على كل مشاعره .. وتسقط معها دمعة شوق!

تمر الأيام وهو في محاولة مستمرة لينساها .. وتدريجياً بدأت محاولاته ترى بصيص النور.. بدأ يستعيد نشاطه وحيويته وبدأ شبحها يتواري عن مقدمة أفكاره ليحتل مركز أخر غير المركز الأول.

مع استعادته لحيويته .. بدأ يرى الدنيا بمنظار جديد .. بدأت تكتسي ألواناً جديدة بعد أن سادها السواد .. أصبح قلبه حياً من جديد بعد أن سكنته هي سنوات عديدة وحان موعد ترتيب حياته. حان الوقت أن يفتح قلبه وعينيه وجميع جوارحه!!

قرر قراره هذا وكأن الأقدار كانت من ساقته إلى هذا القرار .. فقد استوقفته امرأة شعر بقلبه ينبض معها من جديد .. شعر وكأنها احتلت مكانة السابقة وبدأ يشعر بحب نبع من نبضات قلبه.

بدأت حياته تتغير تدريجياً. بدأت تنعش فيه الشاب الذي شاب مع معترك الحياة.. بدأت مشاعره تجاه الجديدة تأخذ شكلاً أكثر جدية .. قرر أن ينسى ما مضى ,ان يمضي قدما للزواج منها .. أسعدته هذه الفكرة .. فهاهو قد تخلص من عقدته الأبدية .. من حبه الأول!!!

وهو في غمرة استعداده لإتمام حفل زفافه .. قرر أن يغير كل شيء في منزله .. أن ينسى حقاً كل شيء يذكره بالماضي .. بدأ يتحرك بكل حيوية ونشاط .. ناصباًً أمامه هدفاً يريد تحقيقه .. هدفه أن يصبح إنساناً جديداً متحرراً من جميع قيوده القديمة!!

بدأ بإبعاد أغراضه القديمة .. في صندوق خشبي .. يحاول أن يبعدها عن ناظريه حتى يهنأ بقراره الأخير .. و فجأة سقط بين يديه دفتر نسائي قديم .. دفتر يحمل رائحة يحبها بل رائحة يعشقها !!!!

بدأ بقراءة الدفتر .. كانت تكتب كل مشاعرها هناك .. وكانت تتصدرها مشاعرها تجاهه .. حبها .. وفائها .. تضحياتها!!!
كان الدفتر عبارة عن رحلة عودة لها إلى حياته من جديد .. حبيبته الأولى وقد تكون الوحيدة عادت من جديد!
قرأ الدفتر .. صفحة تلو الأخرى .. عاش مع ضحكاتها .. دمعتها .. وهيامها!!

شعر بقلبه ينبض من جديد .. بعد أن ظن أن الأقدار حكمت عليه بالسعادة .. بعد أن ظن أن الأوان قد حان لينسى الماضي .. ينسى من كانت خير شريك .. ينسى من عاش معها أصدق و أحلى أيام حياته .. مع زوجته التي فارقت الحياة !!

لماذا جاء هذا الدفتر ليعيد الماضي؟ ليعيد فترة من حياته كانت أجمل من أي فترة أخرى .. لماذا يعيدها ذكريات فقط .. فتلك الفترة لم ولن تعود .. ذهبت مع أخر نفس لزوجته الحبيبة!!!

عاد إلى نقطة الصفر .. عاد ذلك الشاب الذي يحاول أن ينسى .. والفرق أن هناك الآن زوجة أخرى .. لم يكن ذنبها سوى أنها كانت الثانية!!!


الاثنين، مايو ١٥، ٢٠٠٦

نورة

)اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولاأقدروتعلم ولاأعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن خالد خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فأقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن خالد شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري _ أو قال عاجله وأجله _ فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به(

أخذت نورة تردد الدعاء ) اللهم أستجيرك بعلمك(

رحاب) لاااااااااااااا ما أستجيرك يا شاطرة .. أستخيرك(
نورة: )أوهوووو ما أقدر أحفظه ..ما أقدر..شكله هالخطيب بيتعبني من إلحين! خلاص ما عزمت .. برفضه(
رحاب: )خلي عنش الكسل وحفظي .. أو كتبيه على ورقة و قريي(
أخذت تردده و رحاب تصر على أن تحفظه قبل بداية المحاضرة .. ولكن الوقت داهمهما فساعة الحرم الجامعي أعلنت لتوها دخول الساعة العاشرة .هرعتا تحو القاعة تحملان كتباً جعلتهما تبدوان كسجينتين ترسفان في أثقلاهما, حدثت رحاب نفسها : " أن يضبطهما الدكتور حلمي متأخرتان! يا للرعب"

دخلت نورة القاعة، عازمة أن تترك موضوع الإستخارة جانباً وتركز على محاضرة الدكتور حلمي الصعبة الفهم ، ولكن صورته التي أعطتها خالتها ألفت لا تبارح مخيلتها، يبدو وسيما بعض الشيء، اختلجت وجنتاها حمرة وهي تذكر الصورة ، ولكنها تداركت أفكارها، (ولكني لا أعرفه!) هذا ما كان يربك الموضوع برمته، كيف لها أن تصبح زوجة إنسان لم يمضي يومان على رؤية صورته؟ كيف لها أن تسلم جميع أحلامها الوردية لمجهول؟

تقول رحاب أن معرفة الخطيب ستأتي في فترة الملكة، ولكنها زوجته حينها، لا يمكن أن تغير رأيها!

اقترحت خالتها أن تتحدث معه على هاتفه النقال قبل إعطاء القبول أو الرفض، ولكنها تخاف، تخاف أن تهتز ثقة أبيها بها، الرجل الذي لا يمر يوم إلا ويفخر بابنته المؤدبة الخلوقة وتشتعل نار الغيرة في قلب أخيها!

(لا لا، سأرفض لأسهل الموضوع ، أسهل وبلا عوار راس) ولكن دقات الساعة تذكرها أن الوقت يمضي، هاهي تشرف على أعتاب الثالثة والعشرون وكل من تعرفهن إما متزوجة أو مخطوبة أو على مشارف خطبة كبيرة سمعن عنها كل بنات الكلية، تريد أن تكسب اهتمامهن هي أيضاً، تريد أن تستوقفنها زميلاتها وتسألنها عن عريس الغفلة، اختلجت وجنتاها مرة أخرى و استدركت أفكارها حتى تنهل النزر الباقي من محاضرة أستاذ حلمي!

حييت والدتها بعجلة، وسارعت إلى غرفتها، لم تعرف ما الذي يدفعها دفعاً ، أول ما فعلته هو إخراج الصورة، شعرت كأنها مراهقة مولعة بصورة فنان، لكنها لا تعرف لماذا ترتسم على شفتها ابتسامة خجل كلما نظرت إلى الصورة ، كأن قلبها يدفعها لقول نعم لخاطرالصورة.

سمعت طرقاً خفيفاً على الباب ، أسرعت بإخفاء الصورة تحت وسادتها ( أدخل) نادت على الطارق فإذا بأبيها يدخل، شعرت بارتباك فهي لم تعتد أن يقتحم أبوها عالمها الخاص ويدخل غرفتها. سألها عن حالها وعن دراستها، صمت برهة ليستجمع قواه ، وكأن ما سيقوله صعب للغاية، تسارعت دقات قلبها وهي ترى والدها بهذه الحالة، مر أكثر من سيناريو في مخيلتها: من مات؟ من مرض؟ وكل هذه الأفكار السوداوية مرت عليها.

تنحنح والدها ليعيدها إلى حيث هي وقال: (بنتي ، تعرفين أن الزواج قسمة ونصيب، وأن أمنية كل أب أن يرى ابنته زوجة صالحة لرجل يحبه ويحترمه، تقدم لك شاب اسمه خالد ، يأتي من عائلة محترمة، يخاف الله، قابلته عدة مرات والتمست فيه المسئولية، لا أريد أن أضغط عليك ولا أريد أن أتدخل في قرراتك ولكن فكري وقرري بما ترينه مناسباً لك)

انحدرت دمعة ساخنة على وجه نورة، وكأنها لم تتوقع ما سيقوله، وخرج الأب وهو يعتصر ألماً حل به ، لا يعلم ما سبب ضيقة الصدر هذه، ولماذا يشعر وكأن ابنته ستسرق منه، ولكنه شر لا بد منه ، فهذه السنة الحياة، أن تنتقل من إمرة أب إلى إمرة زوج، ولكن التفكير بأن ابنته المدللة ستخرج من كنفه ورعايته يشعره بضيق شديد.

أخذت تتقلب بين نعم ولا، ولكنها تعلم أنها تأخذ قراراً لا تدرك مداخله ومخارجه، فمن خالد هذا؟ مهما قيل عنه ووصف عنه فهي تعلم في قرارة نفسها أنه مجرد كلمات لتحفزها على إتخاذ القرار الذي يردونه، ومجيء أبوها إلى هنا أكبر دليل على ذلك، فكيف له أن يحكم على شاب رأه عدة مرات وفي مناسبات عامة؟ نعلم أن الشباب عادة يخفون مساوئهم ولا يعلنونها تحسباً لوقت مثل هذا. سحبت الصورة من تحت الوسادة، نظرت إلى وجه خالد وشعرت كأنها ترى أنياباً لا مكان لها، ضحكت من أفكارها السخيفة، وأتخذت قراراً إرتجالياً ، (سأطلب رقمه) فكرت( نعم وسأتحدث معه وأقرر إن كان يناسبني أم لا، القرار يجب أن يكون قراري لا قرار أبي وخالتي)!

ضغطت على أزرار الهاتف النقال، أعطتها خالتها الرقم بكل حبور، وكأنها متأكدة أنها ستوافق على خالد، لا تدري لما يزيدها هذا الحبور عناداً ، ولما يجعلها تميل إلى قول لا لا رجعة فيها ! ، تتصل، يداها ترتجفان وهي تسمع خالد يقول : (ألو .. السلام عليكم) ، شعرت وكأن هذا الصوت هو أفضل صوت سمعته في حياتها، قوي أجهش يوحي بالقوة ، قالت بصوت يملأه الوجل ( ألو ، معي خالد ) ، خالد ( أيوا من معي؟ )، إحتارت فيما ترد ، أتقول خطيبته؟ لا ليست خطيبته، ترددت ثم قالت ( نورة) وسكتت ، شعرت بابتسامته من خلال سماعة الهاتف، (أشرقت وأنورت .. وأنا أشوف الدنيا منورة اليوم ) ، استهجنت طريقته في الحديث، كأنه لا يأبه أنها فتاة محترمة ويجب عليه أن لا يتمادى في الإطراء بهذه الطريقة من أول محادثة ، ماذا تقول الأن، هل تعنفه بشده على هذا الأسلوب، أم هل تتجاهل حنقها على أسلوبه، قررت التجاهل لا بطولة منها ولكن خجلاً من المواجهة. ( الأخ خالد ، أنت أكيد تعرف ليش إتصلت ، حبيت أعرف أكثر عنك حتى أقرر قراري ) ( أوكي نور الدنيا، ولا يهمك، أنا خريج هندسة في أمريكا، أشتغل في ال .... ) إسترسل يتحدث عن نفسه لنصف ساعة، لم تقل شيئا سوى نعم عندما يسألها إن كانت معه في الخط، حمدت الله كثيراً عندما نادتها الخادمة لتناول العشاء واعتذرت بإنهاء المحادثة .

ليس هذا فارس أحلامها، ليس هذا من تريده أن يقلها بحصانه الأبيض ويطير بها إلى عالم الأحلام الوردية، تريد من يسمعها، من يقدمها على حياته،هكذا تحدثها نفسها وهكذا يقنعها قلبها، ولكن عقلها والناس من حولها يقولون لها أنه الشاب الممتاز وألف من تتمناه ، أمها قالتها صراحة أنها إن رفضت هذا الشاب لن يخطبها أخر بنفس مواصفاته الخُلقية والخَلقية، تتفق معهم أنه يملك كل ما تتمناه الفتيات، ولكن ليست هي، ولكن ماذا تقول لأهلها ، ليس اميري؟ تتخيل أبوها وهو ينظر إليها نظرة غضب لا تتحملها، تتخيل دموع عين أمها التي ستسكبها ظناً منها أن إبنتها ستضحي عانساً، سترى حنق خالتها الذي تخافه وتسمعها تقول: أخر مرة أجيب لبنتكم عريس، فشلتني قدام الحريم.

فكرت بالموافقة من أجلهم جميعاً ، تتحمل هذه الصفة الوحيدة التي لا ضرر فيها من أجل فرحة الجميع، وكلما حاول أن تقنع نفسها أكثر كلما صرخ قلبها بألف لا، لا لا ليس هو. شعرت بقواها تخور، لا تحب التردد، كانت دوماً سريعة في إتخاذ القرارات، لماذا تتردد إذاً؟ لتأخذ قراراً ارتجاليا وتنهي الموضوع!

ألقت نظرة إلى الصورة، وتدير سماعة الهاتف، (ألو خالتي، أظنني جاهزة لإعطاء ردي ، موافقة!! ) ، أغلقت سماعة الهاتف وهي تدعو ربها أن تكون قد اتخذت القرار الصائب.

الأربعاء، أبريل ٠٥، ٢٠٠٦

المهد الصغير

جلست تناغي طفلها الراقد في مهده الصغير, غنت له أغنية كانت تسمعها من أمها عندما كانت تهدهد أختها الصغرى , سرحت في وجهه البريء و هو مستلق, كم تنطق روحه البريئة بأحلام كثيرة, أحلام المستقبل الذي لا يعرف و لا تعرف عنه شيئا. سرحت , بعد عدة شهور سيكون طفلا مزعجا, سيستنهك قواها و هي تركض خلفه هنا و هناك, و هي تركض تكون تستعيد لحظات طفولتها التي أبعدت في الزمان الغابر, سيوقظ ذكريات قد نامت بخلجات نفسها من عدة سنين. بعدها سيبدأ بالكلام, سينطق بأحلى و أرق كلمة أمي سمعتها من أي طفل في الدنيا, ستخرج متلعثمة من فمه الصغير و لكنها ستمتلك جميع جوارحها ـ

. سيأتي إليها شاكيا باكيا و ستضمه إلى صدرها الحنون لترويه من حنانها و لتحميه من أي مكروه يصيبه. تخاله جوهرة تمشي على الأرض, قطعة من قلبها تتحرك أمامها. هكذا كانت تفكر. سيأتي اليوم الذي ستذهب به إلى المدرسة, سيفارقها باكيا في البداية و لكنها عندما تودعه بقبلة على خده سيركض بعدها فرحا إلى دراسته. و عندما يعود من مدرسته سيريها فرحا ما تعلم و يعلمها كأنه قد ختم العلم كله. ـ

سيتفوق في دراسته, و سيأتي أخر العام بشهادة ترفع رأسها عاليا و هي تحصد مجهود تحملها و جلوسها معه عندما يستعد للامتحانات. سيكبر, يصبح مراهقا, ستخاف عليه من كل من يحوم حوله ليفسد ما غرسته فيه من مبادئ و أخلاق, لكنها في نفس الوقت ستعامله بذكاء, ستسمح له أن يفكر قبل أن يقدم على أي عمل و هكذا ستطمئن عليه حتى و إن ابتعد عنها, و ستنجح في ذلك , و ستفخر به أنه ظل ذلك الولد الناضج طيلة فترة مراهقته. سيجتاز المرحلة بأمان , و لكنه بعدها سيتحول إلى ذلك الشاب الفيلسوف, سيأتي إلى المنزل يحاول أن يقنع عقلها القديم بأفكار جديدة و غربية , تحاول أن تجاريه النقاش و لكنهه سيطغى على عقلها البسيط و سيقنعها بأفكاره الجديدة. ـ

سيأتي اليوم الذي ستفخر به أمام جميع أترابها. اليوم الذي يحدد مصير حياته الباقية, اليوم الذي يثبت فيه انه يهتم بمستقبله قبل كل شيء , يوم حصوله على نتائج الثانوية العامة و هو يركض فرحا و قد أصبح أحد الأوائل, عندها ستذرف دمعة فرح و هي تراه يكرم أمام الجميع. ـ

بعدها سيغدو محتارا فيما يعمل, هل يدرس هنا في وطنه بجانبها أم يختار أن يبتعث للخارج حتى ينهل المزيد من علوم الحياة؟ فكر مليا و قرر أن يدرس الهندسة في الخارج حتى يكتسب خبرة اكثر في الحياة, يؤلمها اختياره , فهو سيفترق عنها لأول مرة , و لأول مرة ستشعر أن مصلحته هي في الابتعاد عنها , ستشجعه على اختياره مع أن قلبها يتقطع ألما. ـ

يأتي اليوم الذي يحتم عليها أن تودعه, تبكي بحرقة , لكنه يضمها إلى صدره مؤكدا أنه سيكون على ما يرام و انه أصبح رجلا و سيعتمد على نفسه. قبل سفره تقوم بتوصيته على نفسه, تقوم بترتيب حقيبته لتتأكد انه قد اعد كل ما يحتاجه, يبتسم و هو يراها مضطربة اكثر منه و كأنها من سيسافر. يأتي اليوم الذي ستفارقه فيه لأول مرة , تغرورق عينيها بالدموع,فكيف ترى قطعة من قلبها تسافر بعيدا عنها , يضمها إلى صدره مؤكدا أن السنوات و الأيام ستمر بسرعة و لن تشعر بفراقه. ـ

سافر, و يتصل بها لأول مرة من الخارج, تبكي و هي تؤكد له أنها على ما يرام , و هي قادرة على فراقه و لكن عليه أن يجتهد حتى يعود ناجحا. تمر السنوات , يكمل سنوات الغربة و يعود و قد حاز على نتائج مرضية, فخرت به عاليا للمرة الثانية و خاصة بعد أن حصل على وظيفة ممتازة. ـ

حان الوقت أن يرتبط بمن اختارها قلبه و عقله, يخبر أمه , تتحرك بداخلها عوامل الغيرة و الفضول , فمن هذه المرأة التي ستشاركها قلب ولدها, من هذه التي أتت فجأة لتحتل مساحة من القلب الذي كانت تسكنه وحدها , و لكنها تذهب لتخطبها و بالفعل تقع هي أيضا في حب الفتاة الطيبة التي اختارها ابنها. ـ
يقرر أن ينتقل إلى منزله الجديد, يظل يحايلها أن تنتقل معه, لكنها تأبى أن تترك منزلها العتيق و تبارك لأبنها بيته الجديد , و هكذا مرت السنوات و عادت و حيدة في منزلها. مضت تسرح و تبحر في أفكارها إلى أن أيقظتها هزة طفلها في مهده الصغير, و ابتسمت عندما فتح صغيرها عينيه و هي ترى مستقبلا واسعا أمامه. ـ

السبت، مارس ٠٤، ٢٠٠٦

حرب نفسية

تسلل جمال من غرفة نومه بخفة ، لم يشأ أن تشعر به زوجته ، خرج إلى حديقة المنزل .. حيث الهواء الطلق .. أخرجها من جيبه .. وأشعلها .. نعم هي السيجارة!! ـ

وهو يستنشق نفساً من هذا السم القاتل، أخذ يركز في التناقضات التي يعيشها!، تلك التي تجعله يشعر أنه مجموعة من الأشخاص في جسد واحد.
ـ

ما حدث اليوم في عمله أقلق هذا الشعور زاده، زارته امرأة مع زوجها للعلاج، زوجها مدخن .. صورة الأشعة أظهرت أن رئتاه أصبحت كالفحم الأسود، أصرت زوجته أن تقابل جمال (وهو طبيب الأمراض الباطنية) حتى تسأل عن طرق الإقلاع عن التدخين لتساعد بها زوجها، شعرت بارتباك شديد وأنا أشرح لها .. كيف له أن يقنعها وهو من المدخنين؟؟؟؟

أخذ يتأمل في هذه السيجارة التي تعتبر مفرغ لأهات يحملها (أو هكذا يتخيل)، بدأ بالتدخين عندما كان في السنة الأولى بكلية الطب .. كانت السيجارة عبارة عن عودة للوطن، فمعها كان يسرح بعيداً .. كأنها كانت سبباً لإلهائه عن المذاكرة والدروس لذا تعلق بها! ـ
يعرف أنه يستطيع الإقلاع عن التدخين، لكنه لم يحاول ، ربما لأنها ما زالت تذكره بتلك الأيام. ـ

سمع صوت بكاء بالداخل، قطع عليه سكون الليل، وقطع خواطره، إنها ابنته مرام، ملاكه الصغير ، كم يعشق ملاكه الصغير! ، ذهبت إلى غرفة نومها .. نظرت إلي وتوقفت عن البكاء، ضمها إليه .. ـ
سألها: ما أبكاك يا أميرتي؟
قالت: بابا .. حلمت أنك تحترق.. حاولت أن أطفئ النار ولكني لم أستطع!! ـ
جمال (الارتباك باد عليه): لا تقلقي يا حبيبتي ، أنا بخير
قالت: ولكن بابا .. أنا أشم رائحة حريق! ـ

فوجئ بكلامها، يا للهول، ملاكه الصغير شم رائحة التدخين!، هي ما زالت تجهل معناها ولكنه قطع وعداً على نفسه أن لا تعرف ابنته أنه يدخن. ـ
هدأ من روعها: يا حبيبتي .. أنت ما زلت تحلمين .. ها أنا أمامك بخير والحمد لله .. هيا عودي للنوم! ـ

وعاد هو إلى غرفته للنوم .. نظر إلى زوجته فوجد نظرة غضب يغطيها عتاب .. يعرف السبب .. هي السيجارة الغبية .. نظر إليها نظرة أسف ونام! ـ

في صباح اليوم .. وهو ذاهب إلى العمل .. ما زال موقف ليلة الأمس يدور في خاطره ، لن ينجح أبداً في إخفاء تدخينه عن ابنته.. سيأتي اليوم الذي يرى نفس نظرة العتاب التي رآها ليلة الأمس من ابنته .. لا يدري إن كان سيتحمل ذلك! ـ

دخل مكتبه في المستشفى .. لم تبدأ مواعيد المرضى بعد .. هو يرتب أوراقه ويراجع الملفات على المكتب .. وجد الكتيب الخاص بالإقلاع عن التدخين أمامه .. استجمع قواه .. وأمسك بالكتاب .. شعر وكأنه يقرأه لأول مرة .. في الصفحة الأخير كان هناك سرد بسيط لطرق الإقلاع .. بلا وعي منه (أو وعي يتجاهله) اختار إحدى الطرق وبدأ بترتيب برنامج الإقلاع .. شعر وكأنه يدخل مغامرة غير متأكد من نتيجتها! ـ

بعد أسبوع ... ـ

لم يدخن أي سيجارة من أسبوع ، شعر بإحساس وكأنه يجتاز امتحان يصعب اجتيازه، لم يشعر أن الإحساس بالذنب كان ثقيلاً جداً !! ـ
بعد أن تأكد أنه توقف أحب أن يهدي هذا الخبر إلى زوجته والتي ستبتهج فرحاً به!! ـ
جلس على مكتبه، وصل إليه التعميم الصحي الدوري والذي يوصي أن على كل طبيب في المستشفى الخضوع إلى فحص شامل، قرر أن يخضع للفحص غداً. ـ
عاد متأخراً إلى المنزل تلك الليلة فلم تسنح له الفرصة المناسبة لإبلاغ زوجته اخبر ، فقرر أن يقدمه لها هدية على عشاء رومانسي نهاية الأسبوع. ـ

أستيقظ على صوت المنبه .. موعد الفحص بعد ساعة ... قام من سريره وتجهز وقبل أن يخرج تأكد أن يأكل فطوره بشهية ، لم يشعر بسعادة غامرة مثل هذه منذ أمد بعيد، أحقاً لهذه الدرجة كانت سعادة السيجارة مقنعة؟!! ـ

قابل الطبيب الذي سيجري الفحص ..
جمال: أهلاً أحمد .. إذن أنا زبونك اليوم
أحمد: بالطبع دكتور جمال .. أه كم تكون التناقضات عندما يكون الطبيب زبوناً !! هيا فلنبدأ .. بالطبع ستجري فحص دم وأشعة و جميع الفحوصات الأخرى ... هذه هي ورقتك .. هيا إلى المختبر

قام بإجراء جميع الفحوصات .. ووعده الدكتور أحمد أن يبلغه بالنتيجة غداً

عاد إلى منزله، وجد مرام تلعب بدميتها الصغير .. أه كم يعشق ملاكه .. وكم يراها دنياه التي لا تسعه!! ـ

وهو يتعشى مع زوجته ، وابنته بجانبه ، رن جرس الهاتف .. ـ
جمال: السلام عليكم
أحمد: وعليكم السلام جمال .. كيف حالك؟جمال: الحمدلله .. وأنت؟
أحمد: الحمدلله .. جمال .. أنا بحاجة لرؤيتك غداً .. رجاءً في أول الصباح .. ـ
جمال: إن شاء الله .. سأمر عليك في الصباح الباكر

وضع سماعة الهاتف .. صوت أحمد لا يعجبه .. كأن هناك شيء يخفيه .. عاد إلى مائدة العشاء والقلق قد تمكن منه . لكنه حاول أن يخفيه عن زوجته حتى لا تشعر بشيء. ـ


في صباح اليوم التالي، وقبل أن يذهب إلى مكتبه في المستشفى .. ذهب إلى مكتب الدكتور أحمد .. وجده هناك .. ـ

جمال: السلام عليك يا أحمد .. كيف حالك ؟
أحمد: الحمد لله .. تفضل يا جمال .. هناك شيء يجب أن أعلمك به!! ـ
جمال : خير ان شاء الله
أحمد: الخير كله بيد الله، جمال .. لقد ظهر ورم سرطاني في الرئة في نتيجة فحوصاتك .. ما زال صغيراً على ما يبدو ولكنك يجب أن تخضع للعلاج!! ـ

أحس جمال أن الدنيا تدور به! أيعقل أن يكمن هو المداوي وهو المتداوي؟؟؟
سرطان!! في الرئة؟؟؟ بلا سخرية القدر!! ـ
عندما قرر أن يترك التدخين ، أكتشف ما لم يكن في الحسبان .. ـ

حار فيما يهدي زوجته أولاً ... مرض السرطان أم إقلاعه عن التدخين!! ـ

خواطر نادم

في لحظات عصيبة من الانتظار، يظل الإحساس بالوحدة شاغلي الشاغل و يظل ألم الفراق إحساس يخنق النفس و يضيق بها. ـلماذا تركتها؟ لا أدري، لماذا قررت أنا الفراق لا أدري؟! , مع أنني من اخترت هذا القرار و أنا من رحلت عنها بعيدا, يظل إحساسي بالحاجة إليها يعصرني, لما هي بالذات؟؟؟ ملئ هي الدنيا بمن هن أجمل و افضل, و لماذا يظل الحنين لنظرة عيناها البريئة يجرحني. أحاول أن أبعد طيفها الذي يلازمني و لكنه يأبى أن يفارقني. ـ
أأحبها؟؟ , لا, بالطبع لا, لست أنا من خلق للحب, الحب مجرد إحساس يخالج الضعفاء و أنا أقوى من أن أشعر به, كانت مجرد طيش شباب, مجرد تمضية وقت فراغ! , هي من يجب أن يتعذب و يشعر بالألم, فأنا من تركها و ليس هي من تركتني!!! , اخر نظرة رأيتها منها ما زالت تلازمني و كأنها تريد أن تشعرني بالذنب , و لن أشعر بالذنب فأنا لم أخطئ, هي من قبلت أن تقع أسيرة نظراتي و ووافقت أن تبادلني هيا النظرات و هي من خدعت أيضا بعيناي الخبيثتين. ـ
سأنساها, قد يأخذ زمنا طويلا, و لكن سأنساها, ليست هي أول من عرفت و لن تكون أخرهم !, سيمضي الوقت و سأجد غيرها, حتما!!ـ
مرت سنتان ...

في الفترة الماضية لم أشعر إلا و الحنين إليها يقطع كبدي, أحشائي ظلت تتألم من الشوق و الحب !!! , نعم أنا من بين كل الناس أحب, و أحبها هي, لا أدري ما الذي جعلني أحبها؟؟؟ أرقتها و طيبها؟؟, أم إخلاصها و حبها؟؟ كنت مخادعا و لم أحافظ على الجوهرة التي كانت بيدي!! رزقت بكنز و لكني استكبرت و رفضته, أصبحت جاحدا و ناكرا, لقد أشعلت فيني أحاسيسً لم أشعر بها من قبل, أحيّت فيًّ ذلك الإنسان الذي كان لاهياً مع متع الدنيا, قلبت ما بداخلي فأصبحت بعدها أشعر بما يشعر به الناس و أستشعر أحاسيسهم و أهتم بها!!. و لكم هل فقدتها؟؟؟ , حتما لا, سأعود و أبحث عنها و أريها الإنسان الذي تغير!!ـ
بعد شهران
...لم يتحمل قلبي الضعيف رؤيتها, كانت كالحلم مر من أمامي, لم تتلاقى عينانا هذه المرة و لكني أردت أن أحادثها لأصدقها قولا و أعترف لها بما حدث, لم تراني , تبعتها, يهتز قلبي فرحا كلما أدرك أنني وجدتها أخيراً, حقا كـتبت علي السعادة الكبرى مع من أحببت, مع من سأهديها أول نبض قلبي. ـ
مع دقات قلبي الفرحة اهتزت أعصابي عندما رأيتها تجلس بجانبه, من هو؟؟؟, من يكون؟؟؟, أخوها؟؟ , نعم أخوها , حتما أخوها فلن تطير فرحتي بهذه السرعة بعد أن عانيت الأمرين لأجدها, بعدت أن بنيت قصورا من السعادة معها هي وحدها على سحاب حبي لها, لكن من هو؟؟؟ سؤال يلح بشدة, نظراته الخارقة إليها و بسماته المحبة لا تدل على الأخوة, من هو إذاً؟؟ ـ
تهدمت قصوري الهوائية عندما رأيت الخاتم بيديها, متزوجة هي!!! , ملكة أحلامي أصبحت متزوجة!! , آآآآآآآه كم أرى نظراتها بعيدة عن أخر نظرة رأيتها فيها, سعيدة هي في الأخيرة!ـ
نستني هي إذاً, من حقها فأنا من تركها و ضيعها من يديه, أن من أبعدها عن عينيه, و هل يستحق رجل مثلي أن يحب؟؟ , و لكن بعد ماذا؟؟, بعد أن ذاق الحب و ضعفت مشاعره؟ بعد أن أصبح أنسانا؟, أيتراجع؟؟ لا , لا يمكن أن يعود كما كان!! , أعتقد أن علي أن أتحمل قلبي الضعيف و أنتقل معه إلى مرحلة أخرى, لعل و عسى يجد من يحب و يحبه, عسى!!!ـ